Share |

كتب ننصحك بمطالعتها

للتحميل رجاءً اضغط على أيقونة الكتاب

الاثنين، 6 فبراير 2012

أنـا في معـرض الكتـاب؟؟!!







بقلـم: شيماء الصواف

يرن هاتفي المحمول طويلاً معلناً وصول رسالة نصية قادمة من طرابلس حيث أخي في رحلة عملٍ قصيرة "افتتح معرض الكتاب الدولي هذه فرصتك لا تفوتيها.. استمتعي بوقتك" تعلو الابتسامة على شفتي وأهمس لنفسي أن أجمل الأشياء هي التي تأتينا أثناء بحثنا عن شيءٍ أخر..
وأخيراً سيتحقق حلـــم عمره سنوات نسجته بخيوطٍ الأمنيات وخبأته في الأدراج منذ أيام الطفولة الأولى.. فكم هو رائع أن تصافحنا الأحلام دون سابق إنذار وتُيقـظ في داخلنا كل شيء يشي بالفرح.
في صباح اليوم التالي شددت رحالي حيث معرض الكتاب الدولي في "مدينة المعارض" في ذات المنطقة التي أقطن بها فالمسافة لن تستغرق مني أكثر من خمسة عشر دقيقة لو كنت في غزة.. ولأني في القاهرة فالوقت هنا لا قيمة له وعداد الساعة لا يتوقف.. فالدقائق تتحول إلى ساعات ويدخل المساء والصباح في صراعٍ يومي لا ينتهي والخاسر الوحيد أنت.
فهنا في القاهرة كل شيء مختلف فلا الشمس هي ذاتها ولا أثر للسحاب أو المطر.. والسماء لا تخلع زرقتها, وكأن الغيوم قد لبست ثوب الهزيمة منذ زمن ورفعت رايتها البيضاء أمام الأشعة الذهبية.
المباني تتعالى شيئاً فشيئاً والأماكن تكتظ بالمارة وحلم الوصول للمعرض بات طويلاً.. أسرح في خيالي حيث المعرض وأجوائه وكعادتي أيقظ بنات أفكاري لتخيل المشهد قبل الوصول.. وفجأة استيقظ على صوت السائق "لقد وصلنا.. وبمجرد انتهائك اتصلي به لأعيدك للمنزل".
وما إن قطعت تذكرة الدخول وخطت قدماي أولى عتبات المعرض كانت رائحة الكتب تملأ المكان.. وشعرت بأني بعالمٍ أخر يبعد أزمنة ضوئية عن أجواء القاهرة المعتمة وزحمة شوارعها وضيق أزقتها وسواد مبانيها.
أقف قليلاً وخطواتي تبطأ شيئاً فشيئاً.. وأشعر وكأني في متاهة حقيقية لا أعرف كيف أبدأ وأين سأنتهي؟؟!!.. ويتقافز أمام عيني عشرات علامات التعجب والاستفهام أسكتهم جميعاً بأني حسمت أمري ولن أهدر مزيداً من الوقت.. وسأبدأ من أول قسم أمام عينيّ بالرغم من أنه غير مغري وليس بوجبةٍ دسمة تليق بأول حضور لي لمعرض كتاب دولي لا يمت بأي صلةٍ قريبة أو بعيدة بمعارض الكتاب التي جرت في السنوات الماضية في "غزتنـــا".
وبمجرد أن وطأت أول قسم خُيل لي أني بمكتبة الجامعة الإسلامية في غزة وأخذت أحدث نفسي إن كان أول قسم بهذه الضخامة وبهذا العدد الهائل من الكتب ذات العناوين البراقة والجذابة
فكيف ستكون عشرات الأقسام المتبقية؟؟!!.. ومع أن النظرة الأولى للقسم لم تروقني أو تغريني إلا أن بدايتي كانت موفقة معه وخرجت منه بمجموعة لا بأس بها من الكتب. 


وخلال تجوالي تعثرت بقسم روايات مصرية للجيب وشعرت بطيف أدهم صبري يدور في المكان وبالطبق الطائر يحلق فوقنا بقيادة نور الدين ونشوى, وتخيلت المغامرون الخمسة برفقة كلبهم "زنجر" يجلسون على قارعة الطريق يحاولون حل لغزٍ ما وكم وودت أن أكون برفقتهم.
ذلك القسم أعادني لسنوات الطفولة الأولى حيث كانت أقصى أحلامي الحصول على رواية جديدة... وأرجعني لأيام المراهقة مع رجل المستحيل وسلسلة الخيال العلمي حين كنت أعاقب بها لو نقصت درجاتي المدرسية حينها شعرت وكأني أمشي على رصيف الذاكرة من جديد, وأعيد ترتيب الأوراق التي بعثرتها رياح الأيام, وأبحث عن روح تلك الطفلة المشاغبة التي لم تكبر في داخلي.
وعندما نزلت إلى منطقة يُطلق عليها "سور الأزبكية" شعرت كأني دخلت عالمٍ كبير ومختلف كل أبطاله من الكتب القديمة ذات الأوراق الصفراء وعبق الحبر الأسود, وكان يعج بالزائرين من مختلف الطبقات والأعمار والجنسيات.. للوهلة الأولى صعقت بالمكان فلم أكن أتخيل وجود مثله في المعرض وحجيج آلاف الوفود الزائرة إليه.. حقيقةً لا أدري لماذا يكتظ الناس هنا ؟؟ ربما لرخص ثمن الكتب بالنسبة للأقسام الأخرى.. أو لتوفر الكتب والمجلدات القديمة جداً وجداً.
وأجمل ما تعثرت به في "سور الأزبكية" مجلدات "مجلة ميكي" القديمة التي تبلغ من العمر أكثر من عقدين من الزمان... ومجلات ماجد و فلاش وشماس.. يااااه كم هو رائع أن تعانق كتب ومجلات تعلمت على يديها أبجديات القراءة والكتابة والحياة.
وأشد ما كان يسعدني رؤية صغارٍ أعمارهم لم تتجاوز عدد أصابعهم يتجولون داخل المكتبات في أقسام الأطفال وينتقون الكتب والقصص بكل حرصٍ وعناية وكأنهم يحفظون المكان عن ظهر قلب.. كنت أراقبهم بصمت وأتأمل حركاتهم وسكناتهم, وكيف يقفزون فرحاً حين يوافق والدهم على شراء المجموعة التي اختاروها.. وكيف تسكنهم الخيبة ويلمع الحزن في أعينهم حين يخرجون فارغي الأيدي... وأسرح في خيالي أكثر لأرى هؤلاء قد كبروا وأصبحوا أشخاص مؤثرين في المجتمع ومميزين فكراً وثقافةً وعلماً.
قضيت وقتاً طويلاً في ركن الأطفال كان جذاباً وممتعاً لأقصى درجة وودت لو أقتني كل ما فيه وأوزعه على جميع أطفالنا المحرومين ليتعلموا ألف باء القراءة والثقافة لنخرج بجيلٍ واعد يصنع لنا مستقبلاً نتباهى به بين الأمم.
وفجأة تراودني غزة حيث معارضها الذابلة وعناوينها الباهتة ومكتباتها الفارغة من الزوار والمشترين.. فللأسف في مدينتنا المتعبة والمرهقة أخر الاهتمامات فيها هي القراءة واقتناء كتابٍ
جديد.. وأقصى ما تبحث عنه الأسرة لا كيف تنشئ العقل والفكر, بل كيف تغذي الجسد حتى لو كان بلا قيمة أو هدف وهوية!!.. ولم أستحضر حينها سوى "عظــم الله أجرنـــــا فينـــا".
لم أشعر بالوقت كيف مر بتلك السرعة فمنذ ست ساعات متواصلة وأنا أنتقل من ركنٍ إلى ركن داخل المعرض فلم أتخيل أن الساعة قد قاربت على الخامسة مساءاً ولم يوقظني سوى رنين هاتفي المتكرر الذي نبهني أنه عليّ العودة إلى المنزل قبل حلول الظلام.
وخلال الست ساعات التي قضيتها في المعرض اكتشفت أنني لم أزر سوى 1% منه بالرغم من الأقسام العديدة التي زرتها, فلو اجتمعت كل المفـردات وحـروف لغـة الضـاد بأكمـلها أن تتكفل بإطلاق وصف يليق بحجم وضخامة المعرض لن تستطيع.. فلم أتخيل يوماً أن يكون المعرض بهذا الاتساع الهائل والمساحة الشاسعة فالزائر منا يحتاج لأزيد من خمسة أيام متواصلة لزيارة كل أقسامه.. ولضيق الوقت غادرت المعرض رغماً عني وقررت العودة في صباح اليوم التالي لاستكمال رحلتي.
وفي الأيام اللاحقة كررت زيارتي مراراً وتكراراً وبالرغم من الساعات الطويلة التي قضيتها به إلا أنني لم أزر سوى نقطةٍ من بحر المعرض..
وكم وددت أن تطول مدة زيارتي لأغترف أكثر وأكثر من كتبه .. وأمام عينيّ يلوح حلم أن تشهد غزة مثله في يومٍ من الأيام.. فلكم تشتاق سماء مدينتنا لمصافحة معارض تليق بها.

هناك تعليقان (2):